سورة طه - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


{فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16)}
أي: لا يصدّنك عن تصديقها والضمير للقيامة، ويجوز أن يكون للصلاة.
فإن قلت: العبارة لنهي من لا يؤمن عن صدّ موسى، والمقصود نهي موسى عن التكذيب بالبعث أو أمره بالتصديق فكيف صلحت هذه العبارة لأداء هذا المقصود؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن صدّ الكافر عن التصديق بها سبب للتكذيب. فذكر السبب ليدل على المسبب. والثاني أن صدّ الكافر مسبب عن رخاوة الرجل في الدين ولين شكيمته، فذكر المسبب ليدل على السبب، كقولهم: لا أرينك ههنا، المراد نهيه عن مشاهدته والكون بحضرته. وذلك سبب رؤيته إياه، فكان ذكر المسبب دليلاً على السبب، كأنه قيل: فكن شديد الشكيمة صليب المعجم حتى لا يتلوّح منك لمن يكفر بالبعث أنه يطمع في صدّك عما أنت عليه، يعني: أن من لا يؤمن بالآخرة هم الجمّ الغفير إذ لا شيء أطمّ على الكفرة ولا هم أشد له نكيراً من البعث، فلا يهولنك وفور دهمائهم ولا عظم سوادهم، ولا تجعل الكثرة مزلة قدمك، واعلم أنهم وإن كثروا تلك الكثرة فقدوتهم فيما هم فيه هو الهوى واتباعه، لا البرهان وتدبره. وفي هذا حثّ عظيم على العمل بالدليل، وزجر بليغ عن التقليد، وإنذار بأن الهلاك والردى مع التقليد وأهله.


{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى (18)}
{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ياموسى (17)} كقوله تعالى: {وهذا بَعْلِى شَيْخًا} [هود: 72] في انتصاب الحال بمعنى الإشارة: ويجوز أن تكون {تِلْكَ} اسماً موصولاً صلته {بِيَمِينِكَ} إنما سأله ليريه عظم ما يخترعه عزّ وعلا في الخشبة اليابسة من قلبها حية نضناضة وليقرر في نفسه المباينة البعيدة بين المقلوب عنه والمقلوب إليه، وينبهه على قدرته الباهرة. ونظيره أن يريك الزرّاد زبرة من حديد ويقول لك: ما هي؟ فتقول: زبرة حديد، ثم يريك بعد أيام لبوساً مسرداً فيقول لك: هي تلك الزبرة صيرتها إلى ما ترى من عجيب الصنعة وأنيق السرد. قرأ ابن أبي إسحاق {عصيّ} على لغة هذيل. ومثله {يا بشرى} [يوسف: 19] أرادوا كسر ما قبل ياء المتكلم فلم يقدروا عليه، فقبلوا الألف إلى أخت الكسرة وقرأ الحسن {عصاي} بكسر الياء لالتقاء الساكنين، وهو مثل قراءة حمزة {بِمُصْرِخِىَّ} [إبراهيم: 22] وعن ابن أبي إسحاق: سكون الياء {أَتَوَكَّؤُا عَلَيْهَا} أعتمد عليها إذا أعييت أو وقفت على رأس القطيع وعند الطفرة. [(وأهش بها على غنمي)] هشّ الورق: خبطه أي: أخبطه على رؤس غنمي تأكله.
وعن لقمان ابن عاد: أكلت حقاً وابن لبون وجذع، وهشة نخب وسيلاً دفع، والحمد لله من غير شبع، سمعته من غير واحد من العرب. ونخب: واد قريب من الطائف كثير السدر. وفي قراءة النخعي: أهشّ، وكلاهما من هشّ الخبز يهش: إذا كان ينكسر لهشاشته.
وعن عكرمة: أهس بالسين، أي: أنحى عليها زاجراً لها. والهس: زجر الغنم. [{وَلِىَ فِيهَا مَئَارِبُ أخرى}] ذكر على التفصيل والإجمال المنافع المتعلقة بالعصا، كأنه أحس بما يعقب هذا السؤال من أمر عظيم يحدثه الله تعالى فقال: ما هي إلا عصا لا تنفع إلا منافع بنات جنسها وكما تنفع العيدان. ليكون جوابه مطابقاً للغرض الذي فهمه من فحوى كلام ربه، ويجوز أن يريد عزّ وجلّ أن يعدّد المرافق الكثيرة التي علقها بالعصا ويستكثرها ويستعظمها، ثم يريه على عقب ذلك الآية العظيمة، كأنه يقول له: أين أنت عن هذه المنفعة العظمى والمأربة الكبرى المنسية عندها كل منفعة ومأربة كنت تعتدّ بها وتحتفل بشأنها؟ وقالوا: إنما سأله ليبسط منه ويقلل هيبته. وقالوا: إنما أجمل موسى ليسأله عن تلك المآرب فيزيد في إكرامه، وقالوا: انقطع لسانه بالهيبة فأجمل، وقالوا: اسم العصا نبعة.
وقيل في المآرب: كانت ذات شعبتين ومحجن، فإذا طال الغصن حناه بالمحجن، وإذا طلب كسره لواه بالشعبتين، وإذا سار ألقاها على عاتقه فعلق بها أدواته من القوس والكنانة والحلاب وغيرها، وإذا كان في البرية ركزها وعرض الزندين على شعبتيها وألقى عليها الكساء واستظلّ وإذا قصر رشاؤه وصله بها، وكان يقاتل بها السباع عن غنمه. وقيل: كان فيها من المعجزات أنه كان يستقي بها فتطول بطول البئر وتصير شعبتاها دلواً، وتكونان شمعتين بالليل، وإذا ظهر عدوّ حاربت عنه، وإذا اشتهى ثمرة ركزها فأورقت وأثمرت، وكان يحمل عليها زاده وسقاءه فجعلت تماشيه، ويركزها فينبع الماء، فإذا رفعها نضب، وكانت تقيه الهوام.


{قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20)}
السعي: المشي بسرعة وخفة حركة.
فإن قلت: كيف ذكرت بألفاظ مختلفة: بالحية، والجانّ، والثعبان؟ قلت: أمّا الحية فاسم جنس يقع على الذكر والأنثى والصغير والكبير. وأمّا الثعبان والجانّ فبينهما تناف: لأنّ الثعبان العظيم من الحيات، والجان الدقيق. وفي ذلك وجهان: أحدهما أنها كانت وقت انقلابها حيه تنقلب حية صفراء دقيقة، ثم تتورّم ويتزايد جرمها حتى تصير ثعباناً، فأريد بالجان، أوّل حالها، وبالثعبان مآلها. الثاني: أنها كانت في شخص الثعبان وسرعة حركة الجان. والدليل عليه قوله تعالى: {فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جآنٌّ} [النمل: 10]. وقيل: كان لها عرف كعرف الفرس. وقيل: كان بين لحييها أربعون ذراعاً.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8